عرب وعالم

“مواطنو الرايخ”.. نازيون جدد عالقون في زمن الحرب العالمية

سلَّط إعلان السلطات الألمانية تفكيك الشبكة اليمينية النازية، الضوء على واحدة من أقدم الجماعات المتطرفة في البلاد، والتي تعرف بـ”مواطني الرايخ”، وتشتهر بمعتقدات من قبيل رفض الاعتراف بالدولة الألمانية في حدودها الحالية، والاعتقاد بأن أطراف الحرب العالمية الثانية عناصر فاعلة في تقرير مصير البلاد.

وألقت السلطات الألمانية، الأربعاء، القبض على 25 من أعضاء ومناصري جماعة يمينية متطرفة يعتقد أنهم على صلة بالحركة، وأنهم كانوا يعدون لقلب نظام الحكم باستخدام العنف، مع الاشتباه في قيام بعضهم بالتخطيط لهجوم مسلح على البرلمان.

أعضاء الحركة
يقدر المكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا، أنَّ هناك حوالي 21 ألف شخص ينتمون إلى حركة “مواطني الرايخ”، 5% منهم يصنفون على أنهم يمينيون متطرفون، وذلك بحسب ما ذكرته شبكة “دويتشه فيله” الألمانية.

وبحسب الشبكة، تتكون الحركة التي تأسست عام 1949 من عدد من المجموعات الصغيرة والأفراد الذين يتمركزن بشكل كبير في ولايات براندنبورج، ومكلنبورج فوربومرن، وبافاريا. وأعلنت هذه المجموعات “أقاليمها الوطنية” الصغيرة الخاصة بها، تحت أسماء مختلفة من قبيل “الإمبراطورية الألمانية الثانية” و”ولاية بروسيا الحرة” و”إمارة جرمانيا”.

ويعتبر غالبية أعضاء الحركة من الذكور الذين تزيد أعمارهم في المتوسط عن 50 عاماً، وينتسب عدد كبير منهم إلى الأيديولوجيات اليمينية الشعبوية والمعادية للسامية، كما ينتسب بعضهم إلى الحركات النازية.

وفي تلخيص للحالة الفكرية والشعورية الغالبة على الحركة، وصف قاضي محكمة جزئية في ولاية ساكسونيا، أعضاء “مواطني الرايخ” بأنهم مجموعة من “منظري المؤامرات والناقمين”.

لكن كارستن كوشميدي، من جامعة برلين الحرة، اعتبر أنَّ “مواطني الرايخ” تحظى أيضاً بدعم من التيار الرئيسي في المجتمع، وذلك بحسب ما ذكرته شبكة “إن بي سي نيوز” الأميركية.

وقال كوشميدي: “حتى لو كان مواطنو الرايخ أو منظرو المؤامرة يبدون وكأنهم مجانين، فإن العديد من المعتقلين يأتون من أوساط المجتمع، ولديهم وظائف عادية وأصدقاء وما إلى ذلك”.

معتقدات الحركة
يعتنق “مواطنو الرايخ” مجموعة من المبادئ السياسية التي يغلب عليها التعلق بالماضي، وعدم الاعتراف بالوضعية السياسية الحالية لألمانيا.
ad

وينكر أعضاء الحركة وجود جمهورية ألمانيا الاتحادية، معتبرين أنَّ الدولة في شكلها الحالي “ليست أكثر من تكوين إداري لا تزال تحتله القوى الغربية وتحديداً الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا”.

بالنسبة لأعضاء تلك الحركة النازية، لا تزال حدود 1937 للإمبراطورية الألمانية (ما قبل الحرب العالمية الثانية) قائمة.

وبناءً على عدم الاعتراف بوجود الدولة، فإنهم يرفضون دفع الضرائب ويقومون بطباعة جوازات سفر ورخص قيادة خاصة بهم، كما ينتجون قمصاناً وأعلاماً لأغراض الدعاية.

وقال أستاذ الدر اسات الأمنية في “كينجز كوليج” بلندن، بيتر نيومان إنَّ “مواطني الرايخ” لا يحترمون دستور الدولة، ويرون أنه غير شرعي، لافتاً إلى أنَّ معظمهم يعتقدون أنَّ آخر ولاية شرعية في ألمانيا انتهت في عام 1918، وفقاً لما نقلته “إن بي سي نيوز”.

وفي عام 2021، فقد موظف حكومي من أنصار الحركة وظيفته بعد ما أطلق على ولايته اسم “مملكة بافاريا” عندما تقدم بطلب للحصول على جواز سفر، مستشهداً بقانون يرجع تاريخه إلى عام 1913، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة “رويترز”.

وأوضح كارستن كوشميدي أنَّ ما يوحد أعضاء الحركة هو “الاعتقاد بأنَّ الألمان يتعرضون للقمع بواسطة قوة أجنبية مهيمنة”، وأنَّ الدولة الألمانية تساعد في هذا الاضطهاد، وبالتالي فهذا يبرر التمرُّد المسلَّح.

وعلى خطى حركة “كيو أنون” في الولايات المتحدة، يعتقد “مواطنو الرايخ” أيضاً أنَّ ألمانيا أسيرة لـ”دولة عميقة”، وأنه سيتم تحريرها قريباً من “الاستبداد” عبر تحالف يضم أجهزة مخابرات الولايات المتحدة وروسيا، وفقاً لـ”إن بي سي نيوز”.

وبحسب “دويتشه فيليه”، لا يُخفي معظم أعضاء الحركة نزعاتهم التمردية هذه، بل إنهم يفخرون بإعلان “مواصلة القتال ضد جمهورية ألمانيا الاتحادية” على مواقعهم الإلكترونية.

أبرز قادة الحركة
برز من بين قادة المجموعة عضو سابق في عائلة ملكية ألمانية، يُعرف باسم هاينريخ الثالت عشر بي آر (71 عاماً)، وقد ظهر، الأربعاء، وهو مقيد بالأصفاد، والشرطة تقتاده بعد اقتحام منزله. وكانت المؤامرة التي تم الكشف عنها تهدف لتنصيب هاينريخ الثالت عشر زعيماً للدولة المستقبلية.
وفي آب الماضي، قال بعض أقارب هاينريخ الثالث عشر إنَّ الأخير “شيخ متذمر” وصاحب “نظريات مؤامرة مجنونة”، وفقاً لما نقلته صحيفة “الجارديان” البريطانية. وأعلنت أسرة هاينريخ أنَّها نأت بنفسها “بوضوح شديد عن آرائه السياسية والتاريخية”.

كما يبرز من بين قادة الحركة، روديجر في بي، وهو مقدّم سابق في الجيش الألماني، وكان قائد كتيبة مظلّيات في التسعينات ومؤسّس وحدة القوات الخاصة (KSK)، واضطرّ إلى مغادرة الجيش في نهاية التسعينيات بعدما خرق قانون الأسلحة.

ووفقاً لخطط المجموعة، فقد كان من المفترض تعيين روديجر في بي قائداً للذراع العسكرية للدولة بعد الاستيلاء على السلطة.

جنود سابقون
إلى جانب نزعاتها التمردية، يثير ميل الحركة لاستخدام الأسلحة النارية، وتخزينها، والخلفية العسكرية لبعض أعضائها، قلق السلطات، حيث أشار أحدث تقرير للمكتب الاتحادي عن الحركة إلى أنَّ أعضاء “مواطني الرايخ” مستعدون ومهيئون لارتكاب “أعمال عنف خطيرة”.

وخلال عمليات تفتيش منازل منسوبي الحركة، عثرت الشرطة على مخابئ كبيرة للأسلحة والذخيرة.

ونظراً لأنَّ جزءاً كبيراً من المجموعة هم جنود سابقون في الجيش الألماني، وفي القوات المسلحة لما كان يعرف سابقاً بألمانيا الشرقية، فإنَّ المجموعة تعتبر خطيرة، علماً بأن بعض عناصرها تلقوا تدريباً عسكرياً خاصاً.

وبدافع من هذه المخاوف، قامت السلطات الألمانية خلال السنوات القليلة الماضية، بإلغاء تصاريح حيازة أسلحة لمئات من أتباع الحركة.

هجمات “مواطني الرايخ”
شنَّ “مواطنو الرايخ” خلال السنوات الأخيرة، هجمات على ضباط الشرطة خلال مداهمات لمقارهم، معتبرين أنَّ لديهم الحق في الدفاع عن “ممتلكاتهم”.

وفي هوكستر بولاية شمال الراين وستفاليا، حاول عناصر من مجموعة “ولاية بروسيا الحرة” بناء ميليشيا خاصة بهم عن طريق تهريب الأسلحة من خارج البلاد في عام 2014.

في عام 2016، قتل عنصر بالحركة أحد ضابط شرطة، وذلك خلال مداهمة نفذتها القوات الأمنية لمصادرة ترسانة تضم أكثر من 30 سلاحاً نارياً كان عضو الحركة قد خزنها بشكل غير قانوني.

وفي عام 2021، كان العديد من أعضاء الحركة من بين المتظاهرين ضد قيود كورونا الذين اقتحموا درجات مبنى البرلمان في برلين “البوندستاج”.

وبحسب “دويتشه فيله”، أصبح أعضاء الحركة أكثر تطرفاً خلال جائحة فيروس كورونا مكتسبين زخماً من الحركة الاحتجاجية التي شهدتها البلاد رفضاً لقيود كورونا.

قوى الحرب العالمية
وفقاً للمخططات التي تم الكشف عنها الأربعاء، فقد خططت مجموعة، يعتقد أنها تابعة للحركة، لتشكيل حكومة انتقالية تتفاوض على نظام الدولة الجديد في ألمانيا مع القوى المنتصرة للحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وعلى رأسها روسيا.

وبحسب مكتب المدعي العام الفيدرالي، حاول هاينريخ الثالث عشر التواصل مع موسكو. لكن المحققين يقولون إنه لا يوجد ما يشير إلى أنَّ جهات روسية تفاعلت بشكل إيجابي معه، مشيرين مع ذلك إلى أنَّ امرأة روسية، من بين المعتقلين، يشتبه في أنها سهلت تلك الاتصالات، وذلك بحسب ما ذكرته “رويترز”.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية “ريا نوفوستي” عن سفارة موسكو في ألمانيا قولها إن المؤسسات الدبلوماسية والقنصلية الروسية لا تقيم اتصالات مع ممثلي الجماعات الإرهابية وغيرها من الجماعات غير الشرعية.

بدورها وصفت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر المجموعة بـ”أعداء الديمقراطية”، قائلة إنه لم يتضح بعد مدى تقدم خططها، أو مدى احتمالية نجاحها، وفقاً لما نقلته “الجارديان”.

وأشارت إلى أن الحكومة سترد على مثل هذه المؤامرات بـ “قوة القانون”، مضيفة أن التحقيقات الجارية “تقدم لمحة عن التهديد الإرهابي القادم من مواطني الرايخ”.

Related Articles

Back to top button