نفابة المحامينالانقساماتالمستوى السياسي
جاء في “الشرق الاوسط”:
توسعت الانقسامات بين المحامين اللبنانيين المنتسبين لنقابة محامي بيروت، من داخل الجسم النقابي إلى المستوى السياسي حيث انخرطت بعض القوى والشخصيات السياسية فيها رفضاً لقرار أصدره مجلس النقابة في الشهر الماضي، يلزم المحامي بالحصول على إذن مسبق من نقيب المحامين قبل الإدلاء بأي تصريح إعلامي، فيما أكدت قوى سياسية أن هذه «معركة حريات».
وتعود جذور الأزمة إلى قرار أصدره مجلس نقابة المحامين في بيروت في مارس (آذار) الماضي، قضى بتعديل مواد من نظام آداب مهنة المحاماة الواردة في الفصل السادس المتعلق بعلاقة المحامي مع وسائل الإعلام، والذي اشترط الاستحصال المسبق على إذن من نقيب المحامين قبل المشاركة في أي ندوة أو مقابلة ذات طابع قانوني تنظمها وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية أو المجموعات، بعدما كانت القوانين السابقة تطلب من المحامي إعلام النقيب فقط.
وأثارت التعديلات اعتراضات من قبل محامين يعتبرون أن التعديلات تمس بـ«المبادئ الأساسية المتصلة بأساس عمل المحاماة وهي الحقوق والحريات»، وأعلن بعض المحامين رفضهم لتلك القرارات، فيما تقدّم 12 محامياً بدعوى لدى محكمة الاستئناف المدنية التي تنظر في الأمور النقابية من أجل إبطال قرار النقابة، وأقيمت في الأسبوع الماضي جلسة مرافعة، لكن الحكم لم يصدر، وتم إرجاؤه إلى 4 مايو (أيار) المقبل.
ويتهم محامون معارضون للقرار النقابة، بـ«تقييد عمل المحامين وظهورهم الإعلامي في لبنان». ويأتي ذلك في ظل تحولات سياسية في البلاد، وملفات قضائية داخلية وخارجية أثارت انقسامات سياسية وقضائية، ومن ضمنها الاتهامات القضائية لمسؤولين في ملفي تفجير المرفأ والارتكابات المالية والفساد. وانسحبت الانقسامات على المحامين أنفسهم.
وتوسعت الاعتراضات أواخر الشهر الماضي من الإطار القانوني إلى الشارع، تضامناً مع المحامي والناشط الحقوقي نزار صاغية، ومحامييْن آخرين هما: يوسف الخطيب، وحسين رمضان، وذلك مع استدعاء صاغية إلى مجلس نقابة المحامين في 27 مارس الماضي، لكنه رفض المثول، وتحدى القرار بالظهور إعلامياً في مقابلة إذاعية. وتكرر استدعاؤه مرة أخرى، وحددت جلسة له يوم غد الخميس.
ولم يتخذ صاغية، وهو المدير التنفيذي لـ«المفكرة القانونية» في لبنان، قراراً حاسماً بعد بالمثول أمام مجلس نقابة المحامين في 20 أبريل (نيسان) الحالي. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يزال يدرس القرار المناسب وسيعلن عنه قبل موعد الجلسة، بالنظر إلى أنه تم استدعاؤه أمام مجلس نقابة «اتخذت أغلبية أعضائه موقفاً مسبقاً مني». ويسعى صاغية «لضمانة حرية التقاضي على الأقل»، وهو حق أي متقاضٍ أمام أي محكمة، داعياً الناس للتضامن معه في هذا الاستدعاء.
ويقول نقابيون إن النقابة تحاول أن تبرر قراراتها الأخيرة، بالقول إن ظاهرة الإطلالات الإعلامية للمحامين أصبحت غير مضبوطة، وتستند إلى أن القانون يمنع على المحامي إبداء الرأي بأي قضية مسندة إلى زميل له. ويقولون إن التعديلات تندرج ضمن سياق تنظيم آداب المهنة من دون المسّ بالحريات.
وتحظر بعض التعديلات في نظام آداب المهنة توجيه عبارات جارحة إلى النقيب وأعضاء النقابة وزملائه لا سيما خلال الانتخابات النقابية، ما يعني وقف انتقادات الزملاء أو توجيه الاتهامات لهم.
وكان نقيب المحامين ناضر كسبار وصف في تصريحات إعلامية سابقة الوضع بـ«الفوضوي»، معتبراً أن بعض المحامين يظهرون في أكثر من إطلالة عبر وسائل الإعلام، «بما يوجّه الموكلين لمصلحتهم دون غيرهم من المحامين»، وذلك استناداً إلى أن «الدعاية ممنوعة في النقابة».
وفي مقابل تبريرات النقابة، يوجه البعض اتهامات للنقابة بمصادرة حرية الرأي والتعبير، عبر اشتراط الإذن، علماً أن النقابة التي تأسست في عام 1919، كانت لها مساهمات أساسية في محطات لبنان السياسية وتاريخه الحديث، ورفدت البرلمان بعشرات المشرعين، ما يعني أن دور المحامين في الإصلاح السياسي، ليس جديداً.
ويرفض صاغية الاتهامات للنقابة بأنها تحوّلت من نقابة للدفاع عن الحريات إلى نقابة تقوّض الحريات أو تقمعها، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن القرار الذي اتخذته في مارس الماضي، «ينتهك الحريات، كذلك استدعائي لأنني انتقدت القرار، فضلاً عن أن الحديث عن (مقامات) ينتهك الحريات». ويشير صاغية إلى أن «الوضع غير مريح، ويجب أن تتوقف هذه الممارسات بسرعة حتى تستقيم الأمور»، لافتاً إلى بيانات ومواقف صدرت عن منظمات حقوقية دولية أكدت أن هذه الممارسات تخالف حرية التعبير.
وتوسعت السجالات من المستوى النقابي إلى المستوى السياسي، حيث رفض حزب «الكتائب اللبنانية» «المس بالحريات العامة والشخصية والإعلامية وهي في دستوره مسألة وجودية كحرصه على احترام أسس مزاولة مهنة المحاماة وقواعد سلوكها».
ودعا «الكتائب» في بيان، نقيب المحامين وأعضاء مجلس النقابة «الحريصين على صون الحريات والدفاع عنها إلى تجميد القرار الخلافي بانتظار فتح حوار نقابي عاجل مع كل الأفرقاء المعنيين»، معرباً عن استعداده لتسهيل هكذا حوار بما فيه خير ومصلحة وعراقة نقابة الحريات، نقابة المحامين.
وفي السياق نفسه، أكد عضو «تكتل الجمهورية القوية» النائب جورج عقيص، أنه «لن يصوّت في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لمركز نقيب المحامين في بيروت إلا للمرشح الذي يتعهد علناً بالرجوع عن التعديلات التي أقرها مجلس النقابة الحالي على النظام الداخلي، والمضيّقة لحرية التعبير، والذي يتعهد بنفس الوقت بملاحقة المحامين المخلّين بآداب المهنة، فيطلق في آن معاً الحرية التامة».
من جهته، رأى عضو مجلس القيادة في «الحزب التقدمي الاشتراكي» المحامي نشأت الحسنية في تصريح لـ«الأنباء» الإلكترونية الناطقة باسم الحزب، أن «إحالة بعض الزملاء المحامين للتحقيق بسبب آراء تتعلق بقضايا عامة أدلوا بها، أمرٌ لا يشكّل فقط تقييداً لحرية الرأي والتعبير المصونة بالدستور والقانون، بل يشكل انقلاباً على تراث النقابة وتاريخها الديمقراطي الحر».