روسيا ترسم سلاماً سورياً إسرائيلياً… ولبنان التالي؟
كتب أحمد عياش في “أساس ميديا”:
حصل “أساس” على تقريرين دبلوماسيّين أوروبيّين، غربيّ وشرقيّ، يتقاطعان عند نقطة بارزة هي: اهتمام روسيّ بتحضير الأجواء المؤاتية كي تنضم سوريا إلى اتفاقات السلام التي أبرمها عدد من الدول العربية مع إسرائيل. وسيكون لبنان “التالي” بعد سوريا إذا وقّعت الأخيرة الاتفاق الخاصّ بها. وأهم ما في التقريرين مساندة الولايات المتحدة بقوّة لهذا التوجّه الروسيّ واستعدادها لتوفير أقصى الدعم له في حال نجاحه.
قبل عرض محتويات التقريرين، لا بد من الإشارة إلى سلسلة مواقف روسية على أعلى المستويات تشير الى أنّ موسكو ترى الوضعَ السوريّ كرةَ نار لم يعد في إمكان الكرملين التعامل معها وتحمّل لهيبها. وصارت موسكو في موقع من يتحمّل المسؤولية عن مناطق النظام السوري التي تتّجه بسرعة فائقة إلى الانهيار التام. ويقول التقرير الأوروبيّ الغربيّ إن موسكو لم تعد ترى حلّاً لهذا الانهيار “والخطر المحدق بسوريا بسبب المصاعب الاقتصادية غير المسبوقة إلا بقبول الرئيس بشّار الأسد إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، ولن يطول الوقت حتّى يصعد لبنان إلى قطار السلام بسهولة مقتدياً بالخطوة السورية”.
يعترف التقرير بأنّ “إيران بما لديها من نفوذ في سوريا تقف حالياً في وجه هذا الجهد الروسي، لكن هذه العرقلة الإيرانية لن تثني موسكو عن الدفع في اتجاه السلام السوري – الإسرائيلي. ومن سيدفع الثمن الباهظ، إذا انهارت سوريا، ستكون روسيا لا إيران التي تضع مصالحها فوق كل اعتبار غير آبهة بسواها. وخلصت موسكو من خلال علاقاتها الواسعة إلى أن لا مساعدات ستأتي إلى سوريا إلا عبر السلام مع إسرائيل”. وكشف التقرير عن “حماسة” أميركية لهذا التوجّه الروسي إلى درجة أنّ واشنطن مستعدة لـ”دفع ثمن هذا السلام ذهباً”.
وعلى خطّ مواز، كشف التقرير الدبلوماسي الشرقي عن “قناة سرّيّة بين واشنطن وطهران لتهيئة الأجواء للعودة الى العمل بالاتفاق النووي الذي تخلّت عنه الإدارة الأميركية السابقة عام 2018، وأنّ هذه القناة تحقّق تقدّماً يعوّل عليه، ويصبّ الاتصال الثلاثي بين الزعماء الروس والألمان والفرنسيّين في هذه القناة. وربما ستكون مفاعيل هذا التقدم لاحقاً أبعد وتطول الملفّ السوري”. وتضمّن البيان الصادر الثلاثاء الماضي عن قصر الإليزيه بشأن الملف النووي الإيراني “اتفاق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تنسيق الخطوات لإقامة حوار يهدف إلى دفع إيران إلى تنفيذ التزاماتها بأسرع ما يمكن”.
ولفت التقرير إلى أنّ الجانب الروسي، الحريص على احتواء الموقف الإيراني، استطاع إقناع نظيريْه الفرنسي والألماني بتجاوز مرحليّ لفكرة توسيع نطاق المشاركين في الاتفاق النووي ليشمل أطرافاً أخرى، من بينها المملكة العربية السعودية.
أمّا التقرير الأوروبي الشرقي فيُشير إلى “أنّ موسكو تعاني حاليّاً “اختناقاً” جراء التدهور في سوريا سينعكس على نفوذها في هذا البلد”، مشبّهاً حالة هذا النفوذ بما مرّ به الاتحاد السوفياتي في نهاية السبعينيات من القرن الماضي في أفغانستان وأدّى إلى هزيمة وصفت بأنّها “استراتيجية”.
بناءً على هذا الواقع، صعّدت موسكو من ضغوطها على دمشق كي تهيّء نفسها لـ”خيارات استراتيجية”، من بينها “السلام مع إسرائيل”. ورأى التقرير أنّ “موسكو تأخذ في الاعتبار النفوذ الإيراني في سوريا، ولهذا تتعامل معه بحذر، وتعتمد سياسة “ضربة على الحافر وضربة على المسمار” بما خصّ إعادة إحياء العمل بالاتفاق النووي. ولا تنظر الإدارة الروسية الى نفوذ أذرع إيران في المنطقة، ولا سيّما “حزب الله”، كعائق أمام تطوّر الأمور في اتجاه السلام بين دمشق وتل أبيب”.
وعرض التقرير بإسهاب ما تمرّ به سوريا الخاضعة لنفوذ موسكو، فذكر “أنّ الوضع السوري على عتبة الكارثة. وتكاد حركة النقل الداخلي أن تتوقف كليّاً بسبب فقدان المحروقات، وأصبحت المواد الاستهلاكيّة الأساسية شبه مفقودة. وما تأجيل الانتخابات الرئاسية في سوريا إلى حزيران المقبل إلّا من أجل مساندة الأسد كي يقف على قدميْه”. وكشف التقرير أنّ “موسكو “قلقة جدّاً” من النزاعات المتفاقمة بين جماعة الأسد وجماعة رامي مخلوف، وخصوصاً بعد الاشتباكات التي دارت أخيراً في القرداحة وطرطوس. ولذلك تحرص موسكو على عدم صبّ الزيت على النار في سوريا. ويأتي انهيار الوضع في لبنان في خانة تأجيج الحريق السوري”.
وقد صدر موقفان روسي وأممي قبل أيام يؤكّدان مضمون هذين التقريرين:
– الأوّل هو تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في منتدى “فالداي” للحوار في موسكو، حيث حذّر من مخاطر “تفكيك الدولة السورية”.
– الثاني هو مداخلة المبعوث الأممي غير بيدرسن، على هامش مؤتمر دعم اللاجئين السوريّين في بلجيكا، حيث بيّن أنّ “الوضع يتهالك في سوريا على كل الصعد، ولا يمنع الهدوء النسبي على المسار العسكري من أن تكون مسيرة هذا الصراع كارثية”.