أمناخبار بارزة

جناح عسكري للأحباش

 

تحقيق أجراه موقع أيوب

 

لا يغامر بنيامين نتنياهو فقط بتفجير حرب إقليمية غير مسبوقة، بل يقامر. كَسَر قواعد الاشتباك مع حزب الله، واغتال القائد العسكري الأرفع فؤاد شكر، في قلب الضاحية الجنوبية، وسقط معه مدنيون. بعد ساعات، اغتال نتنياهو رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في مضافة الحرس الثوري شمال طهران. بل هو يغامر أيضاً بمصير الأسرى الإسرائيليين الأحياء في قطاع غزة، وعددهم الحقيقي مجهول، حين يبدّل شروط صفقة التبادل مع حماس، مع كلّ جولة تقريباً. وعندما حثّه رئيس جهاز الموساد ديفيد برنياع في آخر اجتماع للقادة الأمنيين والعسكريين، يوم الأربعاء الماضي،على اغتنام الفرصة بعد اغتيال شكر وهنية، وإبرام الصفقة، ضرب نتنياهو على الطاولة، واتهمه كما سائر فريق التفاوض بالضعف؛ إذ بدلاً من الضغط على رئيس الحكومة، أي عليه، يجب الضغط على يحيى السنوار، وذلك كما أفاد تقرير للقناة 12 الإسرائيلية. لكنه من جهة أخرى، يستند إلى شبه إجماع إسرائيلي على تأييد كل ما تقترفه يداه، من مجازر يومية ضدّ المدنيين في غزة، فضلاً عن تجويعهم وتعطيشهم وحرمانهم من الرعاية الطبية. والإعلام الإسرائيلي يضخّ في العقل الجمعي الإسرائيلي، بشكل شبه يومي روايات 7 تشرين الأول وشهادات المستوطنين في غلاف غزة، وما وقع لهم جرّاء هجوم حماس على الغلاف، والانفعال العفوي لأهالي غزة، تأييداً لفظياً، واشتراكاً فعلياً، وهو ما يجعل كل سكان القطاع إرهابيين دونما استثناء، مع الاستنتاج المتكرّر الذي يبرّر الجريمة الكبرى، تحت عنوان: “لا يوجد بريء في غزة” دون استثناء طفل أو امرأة أو شيخ كبير.

 

مقامرة نتنياهو تقضي باستفزاز محور المقاومة أو الممانعة، فإما الخضوع لإرادته، أو اشتعال حرب تنجرّ الولايات المتحدة وحلفاؤها إليها. وهي حرب لا تريدها تلك العواصم بأيّ حال، ليس لأن الغرب ضعيف، وإيران وأذرعها أقوى، بل لأن الحرب الواسعة النطاق، ستشعل العالم الإسلامي، وستنسحب الآثار إلى الجاليات المسلمة في القارات الثلاث، المحيطة به: أوروبا وأميركا وأستراليا. وهذا مما لا يصبّ في مصلحة الغرب، عندما ينقسم العالم إلى فسطاطين، أو معسكرين.

 

أما إن كان نتنياهو لا يريد فعلاً الدخول في تجربة مجهولة العواقب، والنتائج، والآثار، ومع ذلك يستفزّ الحزب ومن ورائه إيران، فمعنى ذلك أنّه يراهن على فعالية الردع الذي تمتلكه إسرائيل، فتنتهي حرب الإسناد، وتهدأ الجبهات، ويجري الاستفراد بعد ذلك بأهل غزة، بل بأهل فلسطين كلها.

 

ما لفت الانتباه في قضية اغتيال هنية في طهران، أنّ التحقيق الذي أجراه الحرس الثوري، يناقض رواية صحيفتي النيويورك تايمز الأميركية، والتلغراف البريطانية، وهي أنّ مجموعة عملاء داخل الحراسة الإيرانية المكلّفة حماية الضيوف الرسميين، هم الذي وضعوا عبوات ناسفة داخل غرفة هنية وغرف أخرى في المجمع، قبل شهرين. وهذا مع التزام إسرائيل بالصمت المطبق؛ إذ لم تعترف بمسؤوليتها. أما الهدف، بحسب بيان الحرس الثوري، من عملية الاغتيال، وإشاعة رواية التفخيخ من الداخل في الإعلام الغربي، فهو إحداث فتنة في العالم الإسلامي، وجبهة المقاومة.

 

ماذا يعني ذلك؟

 

إنّ مقتل إسماعيل هنية وهو في حماية الدولة الإيرانية، من شأنه تغذية الشكوك لدى كثير من أهل السُنة في العالم، بمشروعية انضواء المقاومة الفلسطينية تحت العباءة الإيرانية. أما وقد اغتيل بهذه الوضعية، فسيقال إنّ إيران باعت هنية لأميركا وإسرائيل، من أجل تحقيق المكاسب التكتيكية في المنطقة. وهو أفضل سيناريو يمكن تسويقه لتحقيق الهدف، وهو تفكيك محور الممانعة، ومحاولة إشاعة عدم الثقة بين حماس وإيران؛ إذ من سيصدّق أنّ الحرس الثوري عاجز عن توفير الحماية لضيوفه، بل إنه مخترق بعملاء إسرائيل؟ لذلك كان الوضع حساساً ومحرجاً، لدرجة أنّ القيادة الإيرانية أسرعت إلى اتخاذ قرارين: الأول، إجراء تحقيق غير مسبوق خضع له كبار المسؤولين الأمنيين المكلّفين بالحماية والحراسة في المجمع. والثاني، التحضير لردّ فوري مختلف، عن سابقيه، سواء عقب اغتيال الأميركيين لقاسم سليماني في بغداد، أو قصف الإسرائيليين للقنصلية الإيرانية في دمشق وقتل محمد رضا زاهدي. فكلّ من سليماني وزاهدي، كانا في الميدان. أما إسماعيل هنية، فكان ضيفاً رسمياً عند الدولة الإيرانية، وليس أيّ ضيف؛ إذ هو رئيس أكبر حركة مقاومة فلسطينية حالياً.

 

ما جرى فعلاً أنّ نتنياهو باغتيال هنية قد زاد من التحام الساحات في وجه إسرائيل، وهي النتيجة المعاكسة لما أراده. أما الكلمة الأخيرة فستكون في الميدان. وليس لتحقيق نصر مؤزر، بل لتأكيد الالتزام بالقضية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى