مخالفة مدوّية شهدتها جلسة التمديد… شكوك حول النصاب
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
قائد الجيش العماد جوزاف عون حَظِيَ بمطلب التمديد، لكنه لم ينعم بالراحة. ما زال يشعر أن ثمة من يكيد له، في الأمن وفي السياسة. ثمة من يراهن على تهيئة ظروف “تطويقه”، إن لم يكن عبر الطعن بقانون التمديد المرجّح تقديمه من قبل نواب “التيار الوطني الحر”، فمن خلال محاصرة موضوع التعيينات الضرورية في هرم القيادة وعلى رأسها رئيس الأركان.
الإجتماع الذي عُقد بين عون القائد ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية في منزل الأول فكّ الكثير من العُقد، وأرسى قاعدة تواصل وتنسيق بين الرجلين. أهمّ ما نتج عنه أمران: إعتراف متبادل بأحقية كلٍ منهما في الترشّح لرئاسة الجمهورية مع إبداء حسن نيّة تجاه الآخر، والأهمّ استحصال قائد الجيش على دعمٍ من جانب فرنجية للمضي في موضوع التعيينات سواء رئاسة الأركان، أو المقاعد الشاغرة في المجلس العسكري. يُسجّل هنا لعون أنه استطاع أن يقفز فوق التناقضات العالقة بين الزعيم الزغرتاوي وزعيم الجبل وليد جنبلاط.
ما يُنغِّص فرحة الداعمين للتمديد ولو أنهم انتهوا نظرياً منه، ما أحاط التمديد نفسه عبر الهيئة العامة. ثمة شعور أن “التيار الوطني الحر” الذي استدعى هيئته القانونية، غير مستعجل ويبني طعناً “ماكناً” لا مجال لغير قبوله مُبرماً. يصبح المجلس الدستوري هنا أمام تحدي الإلتئام، ومن ثم تحدي درس الطعن والتقرير فيه. المجلس عينه ليس في صدد الخوض في “مطحنة سياسية”، ولا يريد التملّص من واجباته، ولو أن التباساً يوحي أن أمر اجتماعه لبتّ الطعن غير مضمون.
ما يُنغِّص التمديد أيضاً الإلتباس حوله. المعطيات التي يتناقلها أهل القانون والدستور والمعلومات التي يتبادلها بعض النواب سراً في ما بينهم لا تسرّ.
لغاية ظهر يوم الإثنين الماضي، لم يكن المعنيون في مجلس النواب والحكومة قد انتهوا إلى صياغة واضحة للعبارة الخاصة بقانون التمديد التي يجب أن تدرج في الجريدة الرسمية كمرسوم ليصبح بعدها التمديد نافذاً. إستدعى ذلك طلب التسجيل الصوتي الخاص بالجلسة والإستماع إليه مراراً وتكراراً لمعرفة على أي صيغة صوّت النواب! مع ذلك بقيَ الأمر ملتبساً. أخذ الحسم في شأن الصيغة لغاية مساء الإثنين الماضي، حين انتهى المجتمعون إلى صياغة العبارة التالية:
1 ـ بصورةٍ إستثنائية، وخلافاً لأي نص آخر، يُمدّد سن تقاعد العماد قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، العسكريين منهم، والذين يُمارسون مهامهم بالأصالة أو بالوكالة أو بالإنابة، ويحملون رتبة عماد أو لواء، ولا يزالون في وظائفهم بتاريخ صدور هذا القانون، وذلك لمدة سنة من تاريخ إحالتهم إلى التقاعد”.
2 ـ يُعمل في هذا القانون فور نشره بالجريدة الرسمية.
قبل النشر أيضاً، دار نقاش بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومعاونيه: أيّهما الطريق الأسلم لنشر القانون في الجريدة الرسمية. لا لبس في أن ميقاتي كان ينتظر فرصة توقيعه بالإنابة عن رئيس الجمهورية، على غرار توقيع مرسوم تأجيل الإنتخابات البلدية، تسجيلاً للنقاط على النائب جبران باسيل، المُطالب بأن يوقّع على المراسيم الصادرة بالوكالة عن رئيس الجمهورية الوزراء الـ24. لذلك وقّعه ميقاتي ليلاً وحُمِلَ القانون إلى مجلس الوزراء صباحاً لتمريره.
قبل التوقيع، كان ميقاتي أمام نصيحة بأن يتعامل مع القانون المعجّل المكرّر، كما يجيز القانون لرئيس الجمهورية التعامل معه إن ارتأى عدم التوقيع، أي تركه لمدة 5 أيام، ثم يُنشر في الجريدة الرسمية تلقائياً ويصبح نافذاً. لكن ميقاتي اختار المطاحنة السياسية.
الجهل في طبيعة القانون المصوّت عليه من جانب النواب لم يكن فقط ما يستدعي الصدمة. تعاطي النواب مع الجلسة يُفصح عمّا هو أسوأ. نحن أمام تشكيلة من النواب لا تدري في ماذا تناقش أو تصيغ أو على ماذا تُصوّت!
عند وصول النقاشات إلى موضوع اقتراح قانون التمديد، تحديداً عند تلاوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الإقتراح المعجّل المكرّر القاضي بالتمديد، وطلب مناقشته والتصويت عليه، ساد هرج ومرج بين النواب لا سيّما حين قرّر نواب “حزب الله” ـ على قلّتهم – مغادرة الجلسة، واندفاع آخرين من المعارضة كانوا جالسين “فوق”، إلى تغطية الفراغ لئلاّ يُفقد النصاب. في الشكل بدا الهرج والمرج طبيعياً، في المضمون لم يكن كذلك. في التجارب السابقة كان يقرأ الهرج والمرج من ضمن المساعي لتطيير الجلسة، وإمّا للتغطية على أمر ما. في جلسة التمديد ثمة من يجزم بمحاولة تغطية على مخالفة حاصلة.
لغاية الإثنين أيضاً كان الرقم الذي حازه التمديد ما يزال غامضاً. ليس ثمة نصّ في محضر الجلسة يوحي بعدد النواب الحقيقي الذين صوّتوا على القانون أو حتى الرقم الذي حضر الجلسة! تضاربت المعلومات بين 66، 67 أو 68 نائباً. الحديث الأخطر كان في الإشارة إلى كون الحضور لم يتخطَّ الـ63 نائباً، بقوا داخل القاعة عندما ساد الهرج والمرج. يخلصون إلى هذه النتيجة من خلال تتبّع خروج نواب “حزب الله” ودخول عددٍ أقلّ منهم من نواب المعارضة، وإلى معطيات مصدرها النواب الذين شاركوا في الجلسة.
السيئ في الأمر أن ما تقدم غير مثبّت في النص. الفوضى إذاً، كانت بهدف التغطية، وإمرار القانون ومن ثم المصادقة عليه من دون الذهاب نحو إحصاءٍ دقيق لعدد النواب. هذا ما فعله الرئيس بري تحديداً “الشاطر” في تمرير هكذا معضلات، الذي تجاوز العدّ لحساب تصديق القانون.
قضية مثل هذه تُسجّل للطعن المفترض. تحسب على نواب المعارضة. هؤلاء الذين “صرعوا رأسنا” خلال جلسات انتخاب الرئيس السابقة والمتتالية بشروحات حول كيفية حساب النصاب وطريقة التصويت، “بلعوا” المخالفة. غيرهم “لَحَسَ” إصبعه واختفى. الفيلم الأميركي الطويل كان لا بدّ أن ينتهي على هذا النحو.