كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يكتنف تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزيف عون أو التمديد له الغموض والضبابية الأقرب إلى الحذر والتشكيك من وجهة نظر المعارضة النيابية، ويقف حالياً في منتصف الطريق بين الجلسة التشريعية التي يفترض أن تُعقد الخميس وبين حكومة تصريف الأعمال، في ضوء ما يتردد بأنها ستعقد جلسة استثنائية في اليوم الذي يلي انعقاد الجلسة النيابية، بعد أن قررت هيئة مكتب البرلمان إعادة الملف إلى الحكومة ليكون في وسع النواب أن يبنوا على الشيء مقتضاه، برغم أن أوساط رئيسها نجيب ميقاتي الموجود في جنيف استبعدت تعيين قائد جديد للجيش، واشترطت تأمين التوافق لتأجيل تسريحه لمدة 6 أشهر، في إشارة تشترط حضور «حزب الله» الجلسة لتأمين النصاب المطلوب بأكثرية ثلثي أعضاء الحكومة لانعقادها.
ورغم أن سحب الملف ولو موقتاً من جدول أعمال الجلسة التشريعية شكّل مفاجأة للنواب الذين كانوا يتوقّعون التوافق على اقتراح قانون يقضي بالتوافق على التمديد للعماد عون والتصويت عليه بأكثرية نيابية، فإن وقعها كان أشد على المعارضة التي تؤكد، بلسان مصادر قيادية فيها لـ«الشرق الأوسط»، أن لا مبرر للحكومة لتسترد ملف التمديد من دون سابق إنذار، وتسأل: ما الذي تغيّر وأملى على الرئيس ميقاتي استرداد الملف، بخلاف تردده في السابق بذريعة استحالة تأمين التوافق لانعقاد مجلس الوزراء لتأجيل تسريح العماد عون بناء على اقتراح يتقدّم به من خارج جدول الأعمال.
ولم تقتصر المفاجأة على قوى المعارضة التي تضم النواب الأعضاء في حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» وكتلة «التجدد» وعدد من المستقلين والمنتمين إلى قوى التغيير، وإنما انسحبت على «اللقاء الديمقراطي» الذي كان تقدّم باقتراح قانون يقضي برفع سن التقاعد للعسكريين من أدنى رتبة إلى أعلاها بما يسمح بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية والضباط وعلى رأسهم عون.
كما انسحبت المفاجأة على النواب السنة من غير المنتمين إلى محور الممانعة، الذين كانوا تقدّموا باقتراح قانون ينص على التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، ومن بينهم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي يُحال إلى التقاعد في أيار المقبل، بذريعة أن التشريع في هذا المجال يجب أن يكون شمولياً بدلاً من أن يقتصر على قائد الجيش لتفادي الطعن فيه؛ كونه يأتي على قياس شخص، وهذا ما دفع مؤيدي التمديد للسؤال: هل من نية للإطاحة به؟ لأن مجرد استرداده من الحكومة، كما أُشيع، يثير الشكوك، ولم يعد أمام المجلس النيابي من مسؤولية سوى تحريره من «الأسر» بالمفهوم السياسي للكلمة.
حتى إن عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، الذي هو في عداد النواب الأعضاء في هيئة مكتب المجلس، أعاد التذكير، في اجتماعها برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، باقتراح القانون الذي تقدّم به «اللقاء»، ورأى أنه الأقرب إلى التطبيق في حال صوّتت عليه الهيئة العامة في البرلمان، ويقطع الطريق على الطعن فيه بخلاف إمكانية الطعن بتأجيل تسريح قائد الجيش إذا أقرّته الحكومة.
ولفت أبو الحسن، كما علمت «الشرق الأوسط»، إلى أن التمديد في البرلمان لقادة الأجهزة الأمنية يجب أن يتلازم مع قيام الحكومة بتعيين رئيسٍ للأركان، ومديرين: الأول للإدارة العامة والثاني للمفتشية العامة في الجيش، لأن هناك ضرورة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على أراضيه، لتأمين النصاب في المجلس العسكري لتفعيل دور المؤسسة العسكرية، والحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي.
لذلك، فإن قوى المعارضة في البرلمان بادرت إلى التحرك على مستوى الكتل النيابية المنتمية إليها، بالتلازم مع اجتماعها لتقويم الوضع، وصولاً إلى بلورة موقف موحد، آخذة في الاعتبار التواصل مع «اللقاء الديمقراطي» والعدد الأكبر من النواب السنة وآخرين من التغييرين والمستقلين.
واستعداداً للقاء الموسّع للمعارضة، تردّد بأن نائب رئيس حزب «القوات» رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان تواصل مع ميقاتي، الذي يرأس وفد لبنان إلى مؤتمر النازحين في جنيف، للوقوف على أسباب إعادة ملف العماد عون إلى مجلس الوزراء بعد أن أدرجت اقتراحات القوانين المتعلقة بالتمديد له على جدول أعمال الجلسة التشريعية كبند يلي مشاريع واقتراحات القوانين التي أقرّتها اللجان النيابية المشتركة.
وهناك من يقول في المعارضة إن إعادة الملف إلى الحكومة يهدف للضغط على المعارضة لحضور الجلسة التشريعية، وتستبعد أن يكون الرئيس بري في وارد الدخول في اشتباك سياسي مع البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يشكّل رافعة للتمديد للعماد عون، ويتقاطع في موقفه مع إلحاح دولي يتصدّر الدعوة لتفادي الشغور في المؤسسة العسكرية في ضوء إصرار الرئيس ميقاتي على موقفه بعدم تعيين قائد جديد للجيش لئلا يدخل في صدام لا يتوخّاه، ولا يقتصر على الراعي والغالبية المارونية وإنما له امتداداته إقليمياً ودولياً.
وإلى أن يتبلور الموقف، بدءاً بمجلس الوزراء للتأكد من جديته بتأجيل تسريح قائد الجيش، وما إذا كان ميقاتي توصّل إلى إقناع «حزب الله» بإخراجه من السجال الذي كان وراء تأجيل تسريحه، فإن مجرد استرداده من قبل الحكومة يلقى معارضة شديدة من مؤيدي التمديد، كون التأجيل بهذه الطريقة يقدّم مادة سياسية مجانية لباسيل للطعن فيه أمام مجلس شورى الدولة، بخلاف ترك الأمر للبرلمان بالتصويت على اقتراح القانون الذي يبطل الذرائع للتشكيك والتقدم بالطعن.
وفي هذا السياق، تردد أن أصدقاء لباسيل كانوا نصحوه بأن يغض نظره، ولو مؤقتاً، عن تأجيل تسريح عون، طالما أن الأسباب الموجبة متوفرة للطعن به أمام شورى الدولة في حال لم يوقّع وزير الدفاع العميد موريس سليم على طلب تأجيل تسريحه، خصوصاً أن الطعن يبقى أقل ضرراً من الأضرار الكبيرة التي يمكن أن تلحق به في حال تدخل البرلمان وأخذ على عاتقه التمديد له، وربما بتأييد نيابي يفوق كل التوقعات ويمكن أن يتعامل معه الداخل والخارج وكأنه استفتاء من شأنه أن يرفع حظوظه في السباق إلى رئاسة الجمهورية، إضافة إلى أن هذه الخطوة تسجل إيجابياً على خانة «القوات».
لذلك، فإن الضبابية المحيطة بملف التمديد للعماد عون لن تطول، ويُفترض أن تتوضح سلباً أو إيجاباً في نهاية الأسبوع الحالي، قبل دخول البرلمان في عطلة الأعياد وانصراف حكومة تصريف الأعمال إلى تمضية إجازة مديدة، نظراً لتعذر انعقاد جلساتها بصورة دورية