بين القمّتين العربية والإسلامية… ضغط وخوف من تواطؤ
كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
تحوّلت مآسي الشعب الفلسطيني المحاصر تحت سطوة آلة القتل الإسرائيليّة إلى مادة يتم استثمارها والمزايدة عليها، مع إرتداد تداعيات عمليّة «طوفان الأقصى» على مطلقيها، وفقدان حركة «حماس» قدرتها على استكمال عملياتها الهجومية، وإقتصار دور محور الممانعة على تشتيت جزء من قدرات الجيش الإسرائيلي على جبهته الشماليّة؛ وذلك بالتوازي مع تزايد ضغط المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار على المدنيين في غزة، وتخبّط الإدارة الأميركيّة في دفع إسرائيل إلى فرض هدنة إنسانيّة يومية لرفد القطاع المحاصر بالمساعدات الطبية والغذائية المطلوبة.
ورغم دخول الحرب يومها السادس والثلاثين، لا يزال بتّ ملف الأسرى وإطلاقهم من الجانبين بعيد المنال، بالتزامن مع محاولة جامعة الدول العربيّة في قمتها المنعقدة اليوم في السعودية، إستعادة المبادرة والدفع في اتجاه حلّ سلمي وفقاً لمبادرة السلام العربيّة في بيروت عام 2002. ويتزامن هذا الحدث العربي، مع الإطلالة الثانية للأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله، الذي يرتقب أن يرسي أُسساً جديدة لقواعد الإشتباك مع إسرائيل، بُعَيد تقدّم الحصار على غزة.
ووسط تقاطع آراء عدد من المتابعين على تنصّل حلفاء «حماس» منها، توقفت أستاذة العلوم السياسيّة الدكتورة منى الباشا بحذر في حديث لـ»نداء الوطن»، عند إمكانية وجود تواطؤ وتآمر على «الحركة» من أجل الإنتهاء منها. وذلك مع تحوّل قدراتها الهجوميّة إلى مأزق داخلي، وفقدانها القدرة على إستكمال تحقيق أهدافها التي أدّت إلى إقحام الشعب الفلسطيني في حربٍ، يتضح تباعاً أنها تتعارض ومصالحه، لتصبّ في خدمة مصالح دولٍ أخرى، وفي طليعتها إيران.
ورأت أنّ حسابات إيران خلال هذه المرحلة تحول دون إقحام أذرعها العسكريّة في صراعٍ بهذا الحجم، بُعَيْد إتضاح الأثمان الكبيرة التي يتكبدها «حزب الله» ضمن إلتزامه قواعد الإشتباك على حدود لبنان الجنوبيّة. ووضعت تهديد قيادة «حزب الله» بإشعال الجبهة مع إسرائيل، كما التهديدات التي يطلقها مباشرة أو مواربة عبر المقربين منه، في إطار سلوكه السياسي المرتكز على رفع سقف التخاطب، والتأثير في الرأي العام وكسب رضى المؤيدين، وصولاً إلى تشتيت قدرة المتابعين على فضح التناقض بين المواقف المبدئية التي أكسبته مشروعيته، وإلتزامه قواعد تتعارض معها بالكامل.
وعن إمكانية أن تسرّع الحرب على غزة في الوصول إلى حلٍّ ما للقضيّة الفلسطينيّة، استبعدت الاكتفاء ببعض المكاسب للفلسطينيين واستئناف وتيرة التطبيع مع الدول العربية مقدمةً لسلام المنطقة، أسوة بما حصل عام 1973؛ باعتبار أنّ واقع الدول التي دخلت الحرب حينها وما ينطبق عليها في المحادثات مغاير لطبيعة حركة «حماس» وتركيبتها والقدرة على التفاوض معها. ولفتت إلى إمكانية أن تدفع التطورات في المنطقة المعنيين إلى وضع أسسٍ لوقف إطلاق النار، قد تشكل لاحقاً مدخلاً لحلٍ ما في ظل الضبابيّة المرتبطة بطرح الدولتين وحدود كل منهما.
جو ماكرون
وفي سياق متصل، إستبعد الباحث في مركز ويلسون الأميركي الدكتور جو ماكرون في حديث لـ»نداء الوطن»، إمكانية إعلان هدنة بين «حماس» وإسرائيل لعدم نضوج ظروفها راهناً، كون الغطاء الأميركي للعمليات العسكريّة الإسرائيلية ما زال قائماً، كما أنّ الموقف العربي لم يرتقِ إلى مستوى الضغط الكبير على الأميركيين لدفع إسرائيل إلى وقف عملياتها العسكريّة.
ومع تقدّم التصعيد الميداني على المداولات السياسية، اعتبر أنّ المطروح هو فكّ نزاع بين الطرفين عبر فرض وقفٍ لإطلاق النار وتبادلٍ للأسرى، قبل الحديث عن حلّ سياسي مُستبعد. ولفت إلى أنّ الغطاء الأميركي لإسرائيل لا يمكن أن يكون من دون أفق، بالتزامن مع تزايد الضغط على الإسرائيليين من أجل تحديد مطالبهم، ووضع أهداف واقعيّة يمكن الوصول إلى تحقيقها؛ من بينها التركيز على شلّ قدرات «حماس» العسكريّة، والضغط لإطلاق الرهائن، وذلك بعيداً عن المطالبة بإلغاء «حماس» وغزو قطاع غزة بشكل كامل. أما لجهة التضارب بين أولويات الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية، فكشف أنّ الإختلاف الأساسي داخل حكومة نتنياهو بدأ مع تأجيل العمليات العسكريّة البريّة على قطاع غزة أكثر من مرة، والإستعاضة عنه بقصفٍ عشوائيٍّ ممنهج على المدنيين، والذي صبّ بطبيعة الحال في خانة المزيد من الضغط على الفلسطينيين.
واعتبر أنّ الطروحات المرتبطة بقطاع غزة وإدارته بعد توقف العمليات العسكريّة ليست جديدة، إنما يبقى الرهان في القدرة على ترجمة النظريات المطروحة ميدانياً، وضبط الفصائل المسلحة على الأرض. وذلك وسط إشارته إلى استثمار إيران في الحرب على غزة، ودورها الأساسي في دعم الجناح العسكري لحركة «حماس»، كما تحكّمها بقرار توسيع ساحة الحرب، الأمر الذي يصب في تحقيق أهدافها الأساسيّة وتحديداً لجهة رفع مستوى الضغط وتهديد المصالح الإسرائيليّة والأميركيّة في المنطقة. ورأى أنّ ملامح المرحلة لا تشي بإمكانية إتخاذ الدول العربيّة إجراءات تصعيديّة قد تدفع بالولايات المتحدة إلى تغيير حساباتها في المنطقة.