صحةمنوعات

هل مضادات الاكتئاب فعالة لعلاج الألم المزمن.. وما تأثيراتها؟

يعاني حوالي ثلث الأشخاص على مستوى العالم من ألم مزمن يستمر لأكثر من ثلاثة أشهر، وتُعطى الوصفات الطبية لملايين الأشخاص بتناول مضادات الاكتئاب للتخفيف من حدّته.

وكشفت مراجعة جديدة لأبحاث سابقة نُشرت الثلاثاء، عن أنّ غالبية مضادات الاكتئاب المستخدمة لتخفيف الألم المزمن تُوصف من دون أدلة موثوقة كافية على فعاليتها. ولم تتم دراسة ضررها المحتمل جيدًا.

وكانت دراسة امتدت لعامين أجرتها مجموعة “كوكرين” غير الربحية، توصّلت إلى أن مضادًا واحدًا فقط للاكتئاب، أي “دولوكستين”، كان فعّالًا لتخفيف الآلام على المدى القصير، وفقًا لما ذكرته الأدلة المتاحة.

و”كوكرين” عبارة عن مجموعة تعاون دولي للباحثين التي تنتج مكتبة “كوكرين”، والأخيرة تضم قاعدة بيانات للملخصات المنهجية التي تتناول الأسئلة الرئيسية في مجال الرعاية الصحية.

ويُباع “دولوكستين” تحت الإسمين التجاريين “Irenka” و”Cymbalta”، وهو مثبط امتصاص السيروتونين والنورادرينالين، أو SNRI، كما أنه يعزّز مستويات الدوبامين الكيميائي العصبي.

وقالت المؤلفة الرئيسية للمراجعة تامار بينكوس، الأستاذة والباحثة في مجال الآلام المزمنة بجامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، إنّ “الألم المزمن يشكل مصدر قلق عالمي في مجال الصحة العامة”.

وتابعت أن “الألم المزمن يمثل مشكلة للملايين الذين تُوصف لهم مضادات الاكتئاب من دون دليل علمي كافٍ على أنها تساعدهم، ومن دون فهم لأثرها طويل المدى على الصحة”.

لا دليل على فعالية الدواء الموصوف
وشملت المراجعة 176 دراسة مع ما مجموعه 28664 مشاركًا، وبحثت في 25 مضادًا مختلفًا للاكتئاب. وبحثت الدراسات بشكل أساسي في ثلاثة أنواع من الألم المزمن: الألم العضلي الليفي، وآلام الأعصاب، وآلام العضلات والعظام.

وكان متوسط ​​مدة الدراسة 10 أسابيع، والدراسات كانت عبارة عن تجارب عشوائية مضبوطة، التي تعتبر المعيار الذهبي في البحث الطبي. وتم تمويل 72 من الدراسات من قبل شركات الأدوية.

وقالت الدراسة إن أكثر مضادات الاكتئاب شيوعًا، الموصوفة للألم المزمن على مستوى العالم هو دواء “أميتريبتيلين”. ويُباع في الولايات المتحدة تحت الاسمين التجاريين “Elavil” و “Vanatrip”، وهما مضادان للاكتئاب تمت الموافقة على استخدامهما في عام 1961، من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج الاكتئاب لدى البالغين. ويتمتع الدواء بآثار جانبية كبيرة، لذلك فهو غير مستخدم بشكل شائع لعلاج الاكتئاب، لكنه يوصف لعلاج الصداع النصفي والألم المزمن مثل اعتلال الأعصاب السكري.

ورغم ذلك، وجد المؤلفون أن غالبية الدراسات حول فعالية “أميتريبتيلين” كانت صغيرة وأن الأدلة لم تكن موثوقة.

ووجدت المراجعة أن “Milnacipran”، الذي تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج الألم العضلي الليفي، كان فعالًا أيضًا لجهة تخفيف الألم، لكن العلماء لم يكونوا واثقين من هذا الدواء مقارنة مع “دولوكستين” بسبب الدراسات المحدودة التي ضمت عددًا قليلًا من الناس.

وشدد المؤلفون على أن أي شخص يتناول مضادات الاكتئاب لتخفيف الآلام المزمنة، يجب أن يتحدث إلى طبيبه قبل التوقف عن تناول الدواء بسبب مخاوف تناولها التقرير الجديد.

الألم ليس موحّدًا
ويُعتقد أنّ مضادات الاكتئاب تساعد على تخفيف الألم لأنّ أجهزة الجسم التي تنظم الحالة المزاجية، والألم تتداخل، بحسب ما أوضحه ريان باتيل، زميل باحث يدرس الألم المزمن في مركز ولفسون للأمراض المرتبطة بالعمر في كينغز كوليدج لندن.

ولفت إلى أنّ السؤال الرئيسي الذي على الباحثين الإجابة عليه، ليس ما إذا كانت الأدوية المضادة للاكتئاب فعالة في علاج الألم، إنّما “لمن تُعتبر مضادات الاكتئاب فعالة”؟

وأوضح باتيل، غير المشارك في المراجعة، أنه “حتى عندما يكون سبب الألم المزمن واحدًا، فإن التغيرات البيولوجية التي تحدث في الجهاز العصبي متنوعة، ولذا ليس مستغربًا أن يظهر الألم بشكل مختلف من شخص لآخر، ولن يستجيب الجميع للأدوية ذاتها”.

وأضاف في بيان: “ما يوضحه هذا التحليل الشامل أنه عندما يتم تصميم التجارب السريرية بشكل سيئ على افتراض أن تجربة الألم لدى الجميع موحدة، يبدو أن غالبية مضادات الاكتئاب لها استخدام محدود في علاج الألم المزمن”.

الاستخدام طويل المدى يحتاج إلى دراسة
ووجدت المراجعة أنه حتى بالنسبة لمضاد الاكتئاب “دولوكستين”، لم يكن هناك بحث يتناول الاستخدام طويل المدى للدواء.

وقالت بينكوس: “رغم أننا وجدنا أن دولوكستين يخفف الآلام على المدى القصير للمرضى الذين درسناهم، إلا أننا لا نزال نشعر بالقلق بشأن ضرره المحتمل على المدى الطويل بسبب الثغرات في الأدلة الحالية”.

ولفت التقرير إلى أنّ على الأبحاث المستقبلية معالجة أي آثار غير مرغوب فيها لاستخدام مضادات الاكتئاب للألم المزمن، مشيرًا إلى أن البيانات الموجودة حول هذا الأمر “ضعيفة”.

وأفادت الدكتورة كاثي ستانارد، المشرفة السريرية على المبادئ التوجيهية للمعهد الوطني البريطاني للتميز في الرعاية الصحية (NICE) للألم المزمن، واختصاصية الألم في مجلس الرعاية المتكاملة التابع لـ”NHS Gloucestershire” في المملكة المتحدة، أنه من المهم التأكيد على التأثيرات الاجتماعية والنفسية، وكيفية شعور الناس بالألم، وأهمية علاقة المريض بطبيبه.

وتابعت أن “الأبحاث تُظهر أن أكثر ما يريده الناس بناء علاقة قوية ومتعاطفة مع مقدم الرعاية الخاص بهم. إنهم يريدون وقتًا لمناقشة ما يهمهم، ويريدون سهولة الوصول إلى الدعم، وأن يكون هؤلاء شركاء في رعايتهم”.

وأكدّت أنّ “التدخلات غير الصيدلانية، مثل دعم التنقل، وإدارة الديون، والصدمات النفسية، والعزلة الاجتماعية، يُرجح أن تساعد الأشخاص الذين يعانون من الألم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى