اقتصادعرب وعالم

ما هي تداعيات التقارب الروسي الصيني على الاقتصاد العالمي؟

ذكر موقع “سكاي نيوز” أنّ الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني، شي جين بينغ ، إلى موسكو هذا الأسبوع، بعثت بجملة من الرسائل، خاصة وأنها الزيارة الخارجية الأولى للرئيس شي في مستهل ولايته الثالثة.

أحد أهم الرسائل التي عكستها الزيارة واللقاءات التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني، التأكيد الضمني على مساعي البلدين لتغيير ميزان القوى في العالم، وتحدي الهيمنة الأميركية.

ويأتي ذلك بالبناء على ما تم أخيراً من إجراءات -لا سيما على المستوى الاقتصادي وبعد العقوبات المفروضة على روسيا- تؤسس إلى ضرب هيمنة الدولار ونظام سويفت المالي، علاوة على توسع قاعدة العلاقات الاقتصادية مع عديد من الدول الأخرى، سواء على صعيد العلاقات الثنائية ومن خلال التحالفات والمنظمات الإقليمية والدولية.

وعكس البيان المشترك الصادر عن البلدين، بعد المحادثات التي استمرت على مدى يومين بين الرئيسين، حجم العلاقات وآفاقها المستقبلية، وتم خلاله التأكيد على “حلقة جديدة من الشراكة الاقتصادية”، وذلك بعد أن وصلت العلاقات بينهما إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق “لكنها ليست موجهة ضد أي دولة أخرى”، بحسب البيان.

وقع الرئيسان الروسي والصيني، في موسكو، وثيقتين لتعميق العلاقات الروسية الصينية وخطة لتطوير التعاون الاقتصادي حتى العام 2030.

الوثيقة الأولى: بيان مشترك حول تعميق الشراكة والتفاعل الاستراتيجي، وبما يتواءم مع الدخول في حقبة جديدة.
الوثيقة الثانية: بيان مشترك حول خطة التنمية للمجالات الرئيسية للتعاون الاقتصادي للعام 2030.
وتعكس الوثيقتان مستوى العلاقات بين البلدين، كما تتضمن هدفاً بمضاعفة حجم التجارة بينهما، بحسب الرئيس الروسي.
فإلى أي مدى تشكل تلك العلاقات الآخذة في التطور على نحو أسرع تهديداً للهيمنة الأميركية وبما يؤسس لمتغيرات مفصلية في النظام الدولي القائم على قطب واحد ممثل في الولايات المتحدة؟

تحدي الهيمنة الاقتصادية الأميركية

الأستاذ بكلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، الأكاديمي والباحث رامي القليوبي، يقول إن تغيير النظام السياسي والاقتصادي العالمي “تعبيرات مثيرة ورنّانة عادة ما تثير إعجاب السكان من دول خارج الكتلة الغربية، على اعتبار أن ذلك من شأنه إنهاء الهيمنة الأميركية، لكن على أرض الواقع الأمر أصعب من ذلك، لا سيما وأن قوة الولايات المتحدة الأميركية تكمن في تفوقها الاقتصادي، كما أن هناك شركات مثل غوغل وميكروسوفت وآبل تعادل قيمتها اقتصادات دول كاملة على سبيل المثال”.

إلا أنه يلفت في الوقت ذاته إلى أن كلاً من روسيا والصين وفي إطار تحالفهما معاً “يمكن لهما تحدي الهيمنة الاقتصادية الأميركية في بعض الملفات”، مستشهداً بما شهدته العلاقات بين البلدين من تطور في أعقاب العقوبات المفروضة على موسكو. ويشير إلى أن “تعرض روسيا لعقوبات غربية كان حلقة سابقة لتحول اليوان إلى عملة احتياط تعتمد عليها دولة كبرى مثل روسيا”.

ويتابع: “منذ كانون الثاني الماضي تُجري السلطات المالية الروسية تدخلات في سوق العملات عن طريق طرح اليوان في السوق لضمان استقرار الروبل”.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لروسيا والصين -طبقاً للقليوبي- تغيير الخارطة العالمية في مجال إمدادات الطاقة. ويوضح الأستاذ بكلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، أنه “على سبيل المثال فإن خط أنابيب الغاز السيل الشمالي 1 و2 وبعد أن تعرض لهجوم وأعمال تخريبية الخريف الماضي، الآن تم التأكيد خلال لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ على مد خط قوة سيبريا الثاني “وكأن خطوط أنابيب الغاز المتعطلة في أوروبا ستحل محلها أخرى تربط بين روسيا والصين”.

يحمل ذلك دلالات عميقة في سياق التحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، وفي القلب من تلك التحولات كل من موسكو وبكين. ويضيف القليوبي إلى ذلك أيضاً أنه “يجري حديث منتظم عن اعتماد روسيا والصين في التجارة البينية على العملات الوطنية البديلة، وبما يشكل التفافاً على منظومة سويفت العالمية التي يتحكم فيها الغرب ويسمح للدول الصديقة باستخدامها ويقطعها عن دول وبنوك غير صديقة كما هو الحال بالنسبة لمعظم البنوك الحكومية الروسية”.

ويضيف: “اللافت أن انسحاب فيزا وماستر كارد من روسيا، أتاح إلى يونيون باي الصينية التوسع ببطاقاتها في السوق الروسية، لتزاداد مكانتها على الساحة الاقتصادية العالمية”.

وعلى الرغم من تلك الشواهد، لا يعتقد الأستاذ بكلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد بموسكو بأنه على الأفق المنظور ثمة هناك تغيرات مفصلية، ويقول: “لا تزال المنظومة المالية الدولارية هي المهيمنة، في وقت تسعى فيه الصين إلى أن تصبح الدولة الأولى عالمياً من جهة القيمة الاسمية للناتج المحلي الإجمالي، وأن تتفوق على الولايات المتحدة، وذلك لم يتحقق بعد، لأنه في نهاية المطاق النموذج الصيني للتنمية يعتمد بدرجة كبيرة على الأيدي العاملة الرخيصة، كما لا تزال الولايات المتحدة متفوقة تكنولوجياً”.

تطور العلاقات التجارية

ومنذ الحرب في أوكرانيا، أصبحت روسيا أكثر اعتماداً على الصين، مخاطرة بذلك بعلاقات تجارية “غير متوازنة” تصب في صالح بكين، خاصة في ظل تعرض موسكو للعقوبات الأميركية والغربية.

وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2022 بمقدار الثلث تقريباً.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي حوالي 190 مليار دولار ، مقارنة بـ 147 مليار دولار في العام 2021.

ويستهدف البلدان رفع حجم التبادل التجاري إلى 200 مليار دولار العام الجاري
والمحفظة الاستثمارية للجنة الحكومية الروسية الصينية في التعاون الاستثماري تشمل 79 مشروعاً بقيمة 165 مليار دولار.
علاقات اقتصادية مختلفة تتحدى “هيمنة الدولار”

من جانبه، يوضح رئيس المركز الثقافي الروسي العربي، الدكتور مسلم شعيتو، أنه “في سياق العلاقات الاقتصادية الروسية الصينية التي تتطور تصاعداً في مختلف المجالات وتحديداً في مجال نقل الطاقة من روسيا إلى الصين وكذلك التبادل التجاري (وهو لصالح الصين حالياً)، يسعى البلدان لبناء علاقات اقتصادية مختلفة عن العلاقات الحالية التي تحكمها العملة الأميركية، خاصة فيما يتعلق بالدولار ونظام سويفت”.

ويضيف: “الآن للصين وروسيا الدور الأساسي في انتهاج أسلوب آخر بعيداً عن هيمنة الدولار ونظام سويفت، ومن أجل إنقاذ الكثير من الاقتصادات في العالم التي تعاني من العقوبات الاقتصادية والتي هي في الغالب مرتبطة بالتحويلات المالية والعملة فقط، وعندما تنتهي هذه الإمكانية (إمكانية الضغط على الدول عبر العقوبات من خلال التحويلات وقوة الدولار) ستكون هناك علاقات ديمقراطية حقيقية بين الدول كما دعا الرئيسان الروسي والصيني أخيراً”.

ويلفت إلى أن “تلك الديمقراطية في العلاقات الدولية التي تحدث عنها الرئيسان، ليست علاقات تخص الجوانب السياسية فحسب، بل إنها كذلك ترتبط بالديمقراطية في العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري أيضاً”.

ويشير شعيتو في الوقت نفسه أيضاً إلى مجموعة “البريكس”، وما تثيره من زخم ومشاريع على غرار إنشاء عملة خاصة وبنك دولي، موضحاً أن “الناجح حتى الآن في هذا السياق هو ما يتصل بالتبادل بالعملات الوطنية، وهذه خطوة مهمة، إلى جانب توسع التبادل السلعي بين الدولتين وباقي الدول المنضوية ضمن المجموعة، في عملية بدأت تتطور تدريجياً لتشمل عديد من الدول”.

وأمام تلك المعطيات والجهود، يرى شعيتو أنه “إذا ما استمرت تلك الخطوات بهذا الشكل تصاعداً أعتقد سيصل الأمر إلى مستوى لن تعود خلاله الولايات المتحدة قادرة على الضغط أو على فرض العقوبات أو فرض هيمنتها ومصادرتها لأموال الدول الأخرى”. (سكاي نيوز)

Related Articles

Back to top button