كتبت نجوى أبي حيدر في “المركزية”:
في دولة المراهقة السياسية، وفي بلد حوّلته السلطات الحاكمة المتعاقبة موئلا لنهب المال العام والسمسرات والصفقات، وفي جمهورية الاحقاد والنكايات وغياب القرار الفعلي بالانقاذ، تعالج المشاكل والازمات بطريقة انتقامية ارتجالية يحكمها سقف التشفي وتضارب المصالح بين القوى السياسية، فيما المواطنون متروكون لاقدارهم يحصدون الخيبات وتداعيات ارتكابات منظومة لا تفلح الا بإغراقهم في المزيد من البؤس واليأس، ولا عجب ما داموا اعادوها الى السلطة بأصواتهم ويتعامون عما ترتكب من جرائم في حقهم وحق وطن، بات التغني بأمجاده مجرد ذكرى.
معالجات قاصرة مصلحية تقدم عليها السلطة ولا من يسأل او يُسائل. تجلى آخر فصولها في ملفي الكهرباء والكابيتال كونترول. فما شهدته الساحة اللبنانية من سجال بين رئاسة الحكومة والتيار الوطني الحر على مدى اكثر من اسبوع على خلفية السلفة المالية لبواخر الفيول، يعبّر خير تعبير عن مدى الحقد الذي تختلجه نفوس اهل السياسة في لبنان واصرارهم حينما لا تتطابق بعض المشاريع مع مصالحهم الخاصة على تفجير البلاد والعباد من دون هوادة. وزير الطاقة وليد فياض عمد الى اتخاذ قرار بشراء الفيول لزوم تشغيل معامل كهرباء لبنان من بواخر، وصلت الى الشاطئ اللبناني ، تنتظر فتح اعتمادات لتسديد ثمن الفيول تمهيدا لإفراغه، علما ان الانتظار هذا يكلف لبنان يوميا خسارة تبلغ عشرين الف دولار على كل باخرة، وعددها اربع، وتجاوز اجمالي مبلغ غرامة الرسو 300 الف دولار حتى اللحظة، بحسب فياض”، كل ذلك في ظل عجز الحكومة عن الاجتماع لحل المعضلة. والسؤال يطرح نفسه هنا، كيف يقدم وزير الطاقة على اتخاذ قرار من دون بحثه مع رئيس الحكومة وعرضه على مجلس الوزراء، فيما الاعتمادات غيرمتوفرة لغياب التنسيق بين المسؤولين المعنيين من وزير الطاقة الى وزير المال وحاكم مصرف لبنان ورئيس الحكومة ؟
وفيما يقبع اللبنانيون في العتمة، بعدما نفد مخزون معامل الكهرباء ،في انتظار بصيص نور لم تحمله بدايات العام الجديد، ولا ما يوحي بظهوره، أطل امس
نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب اثر جلسة عقدتها اللجان النيابية المشتركة حضرها الوزيران في حكومة تصريف الاعمال، المالية يوسف الخليل والعدل هنري خوري تابعت مناقشة مشروع قانون الكابيتال كونترول، معلنا اقرار المادتين الخامسة والسادسة من المشروع. وقال: المادة السادسة تتعلق بالسحب، وبدل ان نضع السقف الاعلى وضعنا السقف الادنى اي ان يسحب المواطن بالحد الادنى 800 دولار. وتركنا للجنة ان تراجع الموضوع وفق تطور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، من اجل ان نتدرج بالمبلغ”.
عند هذه النقطة بالذات تتوقف اوساط مصرفية باستغراب واسع، لتسأل كيف يشرّع النواب امورا تخص قطاعا لم تتم دعوة المسؤولين عنه الى الجلسة لاستمزاج رأيها
في موضوع كان على الدولة ان تشرّع قانونه مع بدء الازمة في تشرين الاول 2019 وقد بات اليوم من دون قيمة ولا فائدة؟ وعلى اي اساس اتخذ النواب قرارهم هذا من دون ان يطلعوا من القيمين، في مصرف لبنان وجمعية المصارف، على واقع القطاع المصرفي وقدراته وطاقاته الحالية، وهل تمت مراجعة المصرف المركزي في هذه المجال؟ ثم ما هي الالية التي وضعتها اللجان واستنادا الى اي دراسة؟ الم يكن بديهيا دعوة جمعية المصارف للاتفاق معها على الخطوات الممكنة قبل اقرار البنود؟
وتردف الاوساط: ان الدراسات المصرفية تؤكد استحالة تأمين ٨٠٠ دولار نقدا شهريا لكافة الحسابات، شارحة ان في لبنان مليون وستمائة الف حساب اذا تم ضربها بـ٨٠٠ دولار تعادل النتيجة ١.٢٨٠.٠٠٠.٠٠٠ دولار شهريا اي
١٥.٣٦٠.٠٠٠.٠٠٠ دولار سنويا. وهذا الرقم غير منطقي في ظل الظرف الراهن الذي تقبع في ظله البلاد عموما والمصارف خصوصا، وسيخلف تداعيات خطيرة جدا على القطاع المصرفي . واكدت وجوب مراعاة الالية المتبعة حاليا في تعميم مصرف لبنان رقم ١٥٨ القاضية باعتماد مبدأ الحسابات المؤهلة او غير المؤهلة وتسديد نصف المبلغ بالليرة على ان يؤمن مصرف لبنان من احتياطي دولار المودعين ٢٠٠ دولار نقدا.
الف سؤال وسؤال يطرح على القيمين على دولة الارتجال ولا من يجيب. الا ان المضي في النهج التدميري هذا من خلال سياسة الشعبوية والكيدية سيرتد كارثة على البلاد عموما وعلى المصارف، العاجزة بحسب اوساطها، عن تتفيذ البند السادس الذي تم اقراره من دون مراجعتها، ذلك ان اموالها موجودة لدى الدولة المفلسة بعدما وظفتها في سندات الخزينة من دون ان تدرج في حساباتها ان السلطة تسعى الى افلاس القطاع وترفض انشاء صندوق سيادي لادارة اصول وموجودات واسس الدولة .
وتختم الأوساط: العودة عن الخطأ فضيلة، والمعالجة تقتضي تشاورا ومراعاة للواقع، وإن لم تقدم اللجان على دعوة جمعية المصارف للتباحث معها في شؤون القطاع ووضع استراتيجية هادفة بنّاءة لمصلحة المودعين والمصارف في آن، فإن الاصطدام الكبير حاصل لا محالة وسيدفع كل لبناني آنذاك غاليا ثمن سياسة تهور وارتجال اهل السلطة.